كنت أقف أمام البيت العتيق في حوارة للمرة الثانية و
القشعريرة تسري في جسدي . حوارة عالية جدًا تستطيع أن تطل على كل فلسطين و أنت تقف بجبالها ، شتاءً يغطيها الثلج فتنازع رائحة الشتاء رائحة البرية على صدور
الفلاحين لكن كليهما يصل ممتزجًا بالآخر بطريقة
سرية و غريبة .أنا لا أعرف لم أحب الاشياء العتيقة بالذات ، حتى لفظ مفردة "عتيقة " أحبه
، أحب صداه في داخلي و كيف أني أستطيع خلال هذه المفردة أن أبصر البلاد
كاملة و أن أشعر ألا فرق بين الأزلية و بيننا .
تحتفظ الأشياء العتيقة بكل روح عبرت بها ، الفناجين المهترئة تعرف الكلام الذي حبسته شفاه من تناولها، الكتب المصفرة أوراقها تحفظ رجفة الأيادي وشهقة الشغف ،الأغنيات القديمة تخبئ الدموع في آخر الليل بحوزتها ، و حتى الأصدقاء القدامى يعرفون مربط فرسك و ينجدونك في وحدتك أو حينما يخذلك الحب ، دون أن تبوح لهم بشيء .
وحينما تقترب من شيء عتيق تستطيع أن تسمع حكاياه في داخلك أو صوت ما يقول لك ..
تحتفظ الأشياء العتيقة بكل روح عبرت بها ، الفناجين المهترئة تعرف الكلام الذي حبسته شفاه من تناولها، الكتب المصفرة أوراقها تحفظ رجفة الأيادي وشهقة الشغف ،الأغنيات القديمة تخبئ الدموع في آخر الليل بحوزتها ، و حتى الأصدقاء القدامى يعرفون مربط فرسك و ينجدونك في وحدتك أو حينما يخذلك الحب ، دون أن تبوح لهم بشيء .
وحينما تقترب من شيء عتيق تستطيع أن تسمع حكاياه في داخلك أو صوت ما يقول لك ..
"ياه أيها المسكين لم تفهم بعد ؟ "
فتتمسك بها لتدرك الحقيقة ربما أو لتعرف السر الذي أدركه من سبقوك .
في الطريق كنت أبحث عن سيارة تقلني ، ألتفت في الشارع يمينًا و يسارًا ، ثم أسير مسافة على أقدامي - أحب المشي لأنه يعيق الذاكرة - أمشي و أبصر الاشياء أرجعها لأصلها أحدّثها فترد أو لا تفعل - أمشي حتى تذوب أصابع قدمي أحيانًا و لا أشعر بهذا إلا حينما أصحو صباحًا فأحس بها و كأنما سرب من النمل يتحرك داخلها .
وجدت واحدة أخيرًا فركبت ،
"The location please "
قال السائق بلكنة قدرت من خلالها انه باكستاني أو هندي -يشترك جزء من الهنود و الباكستانيون في اللغة الأردية وهي لغة عتيقة - قلت له أني بعثت له بالموقع الذي أرغب بالوصول إليه ، وحينما عرف أني أتحدث الإنجليزية و أفهمها ظل يتحدث طول الطريق .
قال :
أنا أحب ذاك الشيء الرقيق الذي يجيء بعد المعاناة و التعب ، بل أحب أن أتعب ، أحب زوجتي كثيرًا، أنا هنا وحيد لا أهل ،لا أصدقاء ، عمل طوال الليل و النهار ولكني أستطيع أن أقف كل نهار من جديد .
في بداية زواجي كنت أسير أنا و زوجتي فهطل المطر فجأةً ثم أخذت زوجتي تبكي ، لقد تلطخنا بالطين معًا لا أستطيع أن أنسى وجهها ، قصدنا إحدى النُزل القريبة و نمنا و نحن متعبان من السير في الطين . و حينما صحوت صباحًا كان صوت المطر لم يزل يدق الأسقف و وجوه الطرقات .
هممت إلى النافذة لألقي نظرة ، لم يكن ثمة أمطار ، كانت النُزل تطل على منخفض تجمعت فيه مياه المطر و صوت جريان الماء سبب لي اللبس كان المنظر بديعا ، أرض خضراء واسعه و ماء يجري ، كأن الطين لم يلطخنا البارحة .. ظللت واقفًا أمام النافذة و ما أدهشني أنا الماء كان نقيا !
"what is surprising me the water was very clean ! "
شد على المقود بيديه ثم أردف : إنني أحيا على هذا المشهد لليوم ، أحمله معي أنى ذهبت ، أستقوي به .
لقد تركته و نزلت ولكن بغير القلب الذي صادفته به . يا الله لا فرق بين الانبياء و هؤلاء الذين يستطيعون قص القصص .
و أنا أجول ببصري حول الدار العتيقة أحزنني أن إحدى الأشجار قُطِع جزء كبير من أغصانها ، أحب هذه الشجرة بالذات .. لماذا ؟
"يكبر الكلام في داخلنا كالأشجار "
و نجزّه نحن ، نجزّه كل مرة فلماذا كل هذا الحزن الآن ؟
لأني أفتقدك ؟
لأن نافذة كبيرة من باكستان أٌشرِعت على مصرعيها لأجلي فعدت نقية ، لينة، أتشكل وفق ما يحدث من جديد يستطيع الحزن أن يعبث بي كما يشاء ؟
لست أعرف .
فتتمسك بها لتدرك الحقيقة ربما أو لتعرف السر الذي أدركه من سبقوك .
في الطريق كنت أبحث عن سيارة تقلني ، ألتفت في الشارع يمينًا و يسارًا ، ثم أسير مسافة على أقدامي - أحب المشي لأنه يعيق الذاكرة - أمشي و أبصر الاشياء أرجعها لأصلها أحدّثها فترد أو لا تفعل - أمشي حتى تذوب أصابع قدمي أحيانًا و لا أشعر بهذا إلا حينما أصحو صباحًا فأحس بها و كأنما سرب من النمل يتحرك داخلها .
وجدت واحدة أخيرًا فركبت ،
"The location please "
قال السائق بلكنة قدرت من خلالها انه باكستاني أو هندي -يشترك جزء من الهنود و الباكستانيون في اللغة الأردية وهي لغة عتيقة - قلت له أني بعثت له بالموقع الذي أرغب بالوصول إليه ، وحينما عرف أني أتحدث الإنجليزية و أفهمها ظل يتحدث طول الطريق .
قال :
أنا أحب ذاك الشيء الرقيق الذي يجيء بعد المعاناة و التعب ، بل أحب أن أتعب ، أحب زوجتي كثيرًا، أنا هنا وحيد لا أهل ،لا أصدقاء ، عمل طوال الليل و النهار ولكني أستطيع أن أقف كل نهار من جديد .
في بداية زواجي كنت أسير أنا و زوجتي فهطل المطر فجأةً ثم أخذت زوجتي تبكي ، لقد تلطخنا بالطين معًا لا أستطيع أن أنسى وجهها ، قصدنا إحدى النُزل القريبة و نمنا و نحن متعبان من السير في الطين . و حينما صحوت صباحًا كان صوت المطر لم يزل يدق الأسقف و وجوه الطرقات .
هممت إلى النافذة لألقي نظرة ، لم يكن ثمة أمطار ، كانت النُزل تطل على منخفض تجمعت فيه مياه المطر و صوت جريان الماء سبب لي اللبس كان المنظر بديعا ، أرض خضراء واسعه و ماء يجري ، كأن الطين لم يلطخنا البارحة .. ظللت واقفًا أمام النافذة و ما أدهشني أنا الماء كان نقيا !
"what is surprising me the water was very clean ! "
شد على المقود بيديه ثم أردف : إنني أحيا على هذا المشهد لليوم ، أحمله معي أنى ذهبت ، أستقوي به .
لقد تركته و نزلت ولكن بغير القلب الذي صادفته به . يا الله لا فرق بين الانبياء و هؤلاء الذين يستطيعون قص القصص .
و أنا أجول ببصري حول الدار العتيقة أحزنني أن إحدى الأشجار قُطِع جزء كبير من أغصانها ، أحب هذه الشجرة بالذات .. لماذا ؟
"يكبر الكلام في داخلنا كالأشجار "
و نجزّه نحن ، نجزّه كل مرة فلماذا كل هذا الحزن الآن ؟
لأني أفتقدك ؟
لأن نافذة كبيرة من باكستان أٌشرِعت على مصرعيها لأجلي فعدت نقية ، لينة، أتشكل وفق ما يحدث من جديد يستطيع الحزن أن يعبث بي كما يشاء ؟
لست أعرف .
أحدّثك عن الأشجار كثيرًا
..، أعرف ولكني لا أستطيع أن أتوقف عن هذا ،أنا فتاة القرية أرجع في الأصل لقرية
تتبع قضاء غزة تسمى إسدود .قال جدي مرة أن وقوفًا على تلالها كان يكفيه ليبصر
البحر على يمينه ويلمس بسبابته التقاء الماء بالسماء و امتداد الكروم و الحقول على الجانب الآخر و رؤوس الصبايا
عن كثب بين السنابل وهن يقمن بالحصاد كأنهن سرب طير يعلو يحط .
أنا فتاة القرية أميل للشجر ، و يخيّل إلى حينما أمدد جسدي المتهالك تحت إحداهن أن
أنا فتاة القرية أميل للشجر ، و يخيّل إلى حينما أمدد جسدي المتهالك تحت إحداهن أن
الشجرة تقترب
مني ، أصير جزء من تربتها و لأني فتاة العناق السيئة ، تنحني هي لتنتزع روحي و
ترفعها مع الأغصان ، فتُسمعها ما تقول السماء و تردها إلي . صدري
معجون برائحة السنابل و عبق البرية و أطرافي لا تأبه كثيرًا بوجعها بل تكمل الطريق
، تكلمه دومًا مثلما تجز أنت الكلام ومثلما أظل أشد حبل وصلك رغم أنه قاس و كبير
يجرح يداي لكني لا أتركه فأرجع إلى نفسي
بقامة معلوله و قلب خاو و روح بلا وجهة.