تقف مريم على أطراف أصابعها وهي تبحث عن مطربان البهار هذا أو ذاك في
المطبخ . طالما سخرت من قصر قامتها ولكني سرًا بيني و بين نفسي كنت أحب كيف
أستطيع أن أشعر بنبض قلبها حينما أميل برأسي فأصل لموضع القلب وهي تقص لي قصة
جديدة في كل ليلة. لا أبوح لها بهذا ، بل أسخر منها و أعود إلى مكاني بعد أن تفرغ من الحكاية .
كنت لم أزل في السادسة من عمري ، صبي صغير يتعرف على الأشياء عبر مريم رغم أنها تكبره بقليل .
كنت لم أزل في السادسة من عمري ، صبي صغير يتعرف على الأشياء عبر مريم رغم أنها تكبره بقليل .
يعرف الأصدقاء أني سيء الذاكرة . و لا أستطيع اكمال جملة
واحدة سليمة حينما أتحدث إلى فتاة . لكن مريم
ليست كالأخريات كنت أشعر بها و هي تُعجن بقلبي ، ييبس القلب أحيانًا فأبحث عنها لتفتته ثم تنثره صباحًا للطير فيخالطني
تراب الأرض ، ثم تجمعني الطيور في حواصلها و تطلقني بدايات للغناء أول الضحى .
. مريم تصير جزء من هذا الدم الذي يجري في داخلي أليست الروح من تدفعه للجريان مالفرق إذًا ؟
(2)
تقول جدتي أن الأحلام تتلبس بنا أول تشرين الثاني لأّنّه فصل الحرث ، يقلب الأهالي الأراضي فتتقلب معها أرواحهم و تزورهم الأحلام و كأنما المحصول ينبت في رأس صاحب الأرض قبل أن يقبل موعده .
أقول لها : كلا يا جدتي أنه سعي الإنسان نحو مقصده يقض مضجعه ، و يجدد سريرته ليس إلا. ولهذا يجد كل شيء في المنام و كأنما تولد الاشياء من جديد . لكنها تصر و تستند إلى أن قاموس اللغة العربية يشير للبقاع التي يغسلها ماء المطر بالتعبير التالي " مضاجع المطر" أي مساقطه . ولهذا بعد الحرث بالذات و في بدايات المطر تثور الأحلام علينا . ألا تبدو لك الصورة الآن كاملة يا ولد ؟
فأسكت. معها حق إن كان المطر يضجع و نحن كذلك فتصحو الأرض و تحدث أصحابها بطريقتها .
(3 )
حينما التقينا في المرة الأخيرة كانت تضحك مثلما عهدتها تزم شفتيها . قلت لها أن عقد اللؤلؤ في فمك يجب أن يبصره الجميع اطلقي ضحكة كاملة . لا تزمي شفتيك و أنت تضحكين . حسنًا أنا لم أقل شيء .
(4)
أحيانًا و دون أسباب مفهومة أو واضحة أصير خجولًا أكثر من اللازم فأعجز عن النظر مباشرة في عينيّ من يحدثني أيًا كان .
. مريم تصير جزء من هذا الدم الذي يجري في داخلي أليست الروح من تدفعه للجريان مالفرق إذًا ؟
(2)
تقول جدتي أن الأحلام تتلبس بنا أول تشرين الثاني لأّنّه فصل الحرث ، يقلب الأهالي الأراضي فتتقلب معها أرواحهم و تزورهم الأحلام و كأنما المحصول ينبت في رأس صاحب الأرض قبل أن يقبل موعده .
أقول لها : كلا يا جدتي أنه سعي الإنسان نحو مقصده يقض مضجعه ، و يجدد سريرته ليس إلا. ولهذا يجد كل شيء في المنام و كأنما تولد الاشياء من جديد . لكنها تصر و تستند إلى أن قاموس اللغة العربية يشير للبقاع التي يغسلها ماء المطر بالتعبير التالي " مضاجع المطر" أي مساقطه . ولهذا بعد الحرث بالذات و في بدايات المطر تثور الأحلام علينا . ألا تبدو لك الصورة الآن كاملة يا ولد ؟
فأسكت. معها حق إن كان المطر يضجع و نحن كذلك فتصحو الأرض و تحدث أصحابها بطريقتها .
(3 )
حينما التقينا في المرة الأخيرة كانت تضحك مثلما عهدتها تزم شفتيها . قلت لها أن عقد اللؤلؤ في فمك يجب أن يبصره الجميع اطلقي ضحكة كاملة . لا تزمي شفتيك و أنت تضحكين . حسنًا أنا لم أقل شيء .
(4)
أحيانًا و دون أسباب مفهومة أو واضحة أصير خجولًا أكثر من اللازم فأعجز عن النظر مباشرة في عينيّ من يحدثني أيًا كان .
أهو الخجل حقا؟
الارتياب ؟ أم انه الخوف من أن يفهمك الناس لأن " العيون نافذة الروح" ولأني أبصر مريم كل يوم و هي تشرع نوافذ الروح و ترسلها حرة لتجوب الأفق ثم معدمة و منهكة آخر الليل كأحلام تشرين !
الارتياب ؟ أم انه الخوف من أن يفهمك الناس لأن " العيون نافذة الروح" ولأني أبصر مريم كل يوم و هي تشرع نوافذ الروح و ترسلها حرة لتجوب الأفق ثم معدمة و منهكة آخر الليل كأحلام تشرين !
(4 )
قبل أيام طرحت الشجرة خيراتها .
" يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي
الله لنوره من يشاء"
.
ترفض جدتي أن تقطف الزيتون إلا بيديها لا تستخدم أي أداة أخرى ، لا حواشة ولا غيرها. الشجر يحس يجب ألا نقسو عليه فيقسو علينا ويحرمنا بركاته . يغني الكل في موسم القطاف
ترفض جدتي أن تقطف الزيتون إلا بيديها لا تستخدم أي أداة أخرى ، لا حواشة ولا غيرها. الشجر يحس يجب ألا نقسو عليه فيقسو علينا ويحرمنا بركاته . يغني الكل في موسم القطاف
" على دلعونا و على دلعونا زيتون بلادي أحسن ما يكونا على
دلعونا و على دلعونا و يا ربي بارك شجر الزيتونا "
تتسابق العجائزو الصبايا على تسلق الشجر و يمددن الأيادي مثلما كانت
تمد الطيور مناقيرها إلي حينما تفتتني مريم و تنثرني أول الضحى . تتفوق الختيارة على الصبية ولا عجب في هذا لأن هؤلاء يمتد جذرهن أعمق مما يمتد جذر الأخريات.
يبدو المشهد من أعلى التلة والأهالي يعتلون أشجارهم و كأن كل فلاح ينبثق من شجرته لتوه ، و حركة يديه وهو يجمع الزيتون فيقطفه من الغصن القريب أو البعيد تذكرني بحركة الجنين في رحم أمه يضرب كل ناحية فيها و حينما يثقل ، أو تثقل الأحمال بالزيتون فجأة يسقط من الشجرة إنسان كامل . قوي و منتصب لا ضعيف ولا لين لكنه حديث الولادة.
وحينما يفرغون من القطاف ،يقلمون الشجر ثم يحرقون الأغصان و يتركونها في الأرض محلها سمادًا للشجر . يبدو المشهد هذه المرة غريب و مروعًا . يذكرني بالقيامة أو بالبداية التي لا تكتشف في نهاية المطاف أنك كنت مشدود و مشدوه فمخدوع بها وحسب . يذكرني بوجه مريم العذب . و الحقيقة و بالإنسان الذي تحترق دواخله ربما ليظل واقفًا.
(5 )
لا أصحو مبكرًا . لكن مريم تفعل . تحب الفجر، تسبقه وتقف بباب الدار قبل أن يعلو صوت الآذان و ترقبه والضوء يشقه يشتته ثم يبيده معًا.
يبدو المشهد من أعلى التلة والأهالي يعتلون أشجارهم و كأن كل فلاح ينبثق من شجرته لتوه ، و حركة يديه وهو يجمع الزيتون فيقطفه من الغصن القريب أو البعيد تذكرني بحركة الجنين في رحم أمه يضرب كل ناحية فيها و حينما يثقل ، أو تثقل الأحمال بالزيتون فجأة يسقط من الشجرة إنسان كامل . قوي و منتصب لا ضعيف ولا لين لكنه حديث الولادة.
وحينما يفرغون من القطاف ،يقلمون الشجر ثم يحرقون الأغصان و يتركونها في الأرض محلها سمادًا للشجر . يبدو المشهد هذه المرة غريب و مروعًا . يذكرني بالقيامة أو بالبداية التي لا تكتشف في نهاية المطاف أنك كنت مشدود و مشدوه فمخدوع بها وحسب . يذكرني بوجه مريم العذب . و الحقيقة و بالإنسان الذي تحترق دواخله ربما ليظل واقفًا.
(5 )
لا أصحو مبكرًا . لكن مريم تفعل . تحب الفجر، تسبقه وتقف بباب الدار قبل أن يعلو صوت الآذان و ترقبه والضوء يشقه يشتته ثم يبيده معًا.
تقول : " يشبه الفجر نظرة حنان لا نهائي " .
لكني اليوم و ستأتي أول
عصرة من زيتون هذا العام سأسبق مريم و الفجر أيضًا . قال مهند لنا ذات مرة حينما
كان كل واحد منا يتحدث عما يرغب بالوصول إليه . أنه لا يريد شيئًا . يريد فقط أن
يظل زيت الزيتون قادر على لسع حلقه أي أن يظل و كأنه عُصر لتوه . ها
هو ذا يلسع فينا الحلق و القلب ..فهلا أقبلت ؟
(6 )
(6 )
أعتقد أن الكتابة فعل مجنون لأنه يجعلك تعيش حياة الآخرين . و
تصفها و تحدق في
الأطراف التي قضمها أصحابها . أو ربما أكتب لأني حدقت ولا أحدق لأني أكتب . ما
هذا الهراء الذي أقوله الآن ؟ في كل مره أكتب فيها أشعر بالتيه . في كل مرة لا أكتب أشعر وكأن جبل أحد مخبوء في صدري .
الأطراف التي قضمها أصحابها . أو ربما أكتب لأني حدقت ولا أحدق لأني أكتب . ما
هذا الهراء الذي أقوله الآن ؟ في كل مره أكتب فيها أشعر بالتيه . في كل مرة لا أكتب أشعر وكأن جبل أحد مخبوء في صدري .
(7)
و الأهالي يشعلون النار
في الأغصان قالت لي مريم أنها رأت أننا . أنا وهي نقف على ارض مستويه ثم فجأة
تتزلزل الأرض من تحتنا فأسقط أنا و تنجو هي و حينما تحاول نجدتي تجد أني تحولت لشجرة .
لقد انفجرت ضحكًا : - شجرة يا مريم ؟
ولك شجرة !
- لماذا تضحك؟
لقد انفجرت ضحكًا : - شجرة يا مريم ؟
ولك شجرة !
- لماذا تضحك؟
أجل شجرة و لقد وقعت في
حيرة كبيرة وقتها ولم أعرف مالذي سأفعله . إن الشجرة الوحيدة التي تمنيت لها ان
تصبح إنسان هي الشجرة التي صرتها أنت .
أتعرف مريم ألا اسم لي ؟ يبدو أني قلبت في الأرض كثيرًا هذا العام فقلت لمريم في المنام ما لا أقوله لها .
أتعرف مريم ألا اسم لي ؟ يبدو أني قلبت في الأرض كثيرًا هذا العام فقلت لمريم في المنام ما لا أقوله لها .
كانت النار المشتعلة قد هدأت و الدخان في طريقه
للتلاشي و مريم تبتسم دون أن تزم شفتيها هذه المرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق