لم أميز وقتها إن كنت أحلم أم أن صوت مايا يجيء من
أرض حجرتنا ، شعرتُ فجأة أني أختنق لم يكن منامًا كانت مايا تبكي و تقول أنها لا
تستطيع الحراك ، إلا أنها تشد على جوانب السرير الحديدي الأسود بيديها الصغيرتين ،
و الدماء تملأ بنطالها ، وأمي تسوقها أصواتنا في منتصف الليل إلينا تقف في حجرتنا و تمد يدها لمايا وتقول : مش
قادرة تتحركي ؟
تهز مايا
برأسها و تبكي .
يقولون :
زهرّت البنت ، صارت أمًا للحياة الآن ، بضعة أشهر و يتشكل جسدها ، ينفر الصدر ،
تٌنحت الكمنجة عند الخاصرة و في الوقت ذاته تشعر أنها تود أن تخبىء كل هذا ، لا
تحبه ، لا تريد أن يبصره الكل ، تختار الواسع من الثياب ثم مع الوقت تعتاد الذي
صارت عليه وحينما تكبر أكثر تحبه لا لكونها كيف تبدو بل لأنها تفهم الآن جيدًا كيف
صارت مهدًا للحياة .
لم تزل
مايا صغيرة في العاشرة من عمرها و حسب ، لقد بكيت معها ليلة البارحة حتى أني لم
أستطع أن أنام حتى الرابعة فجرًا . تذكرت نفسي و أنا أقف و أحمل ثيابي المبللة
بالدماء للمرة الأولى و أبكي .
يا الله
لم تزل في العاشرة فقط تقول أمي ، و يصفر لونها
، تشد مايا إليها و تحملها و تسير بها
لتبدل ملابسها و تهدىئها ثم تجلب
غطاء كبير ، تطفىء الأضواء ثم تنام قربها و تلف الغطاء عليهما معًا
في
الظلام ومع انعكاس الأضواء الخافتة
من النافذة ليللاً بدت أمي وكأنها أعادت
مايا لرحمها من جديد ، بدت وكأنها تتحسس رحمها و تبكي و هي تروح و تجيء بيديها على
مايا من فوق الغطاء.
و البنت
تبكي لا بد أن المعول يضرب ظهرها ، بطنها ، جنبها و فخذيها الآن
أحيانًا
أفكر .أقول لم كل هذا
الوجع يا الله !
وما ألبث إلا أن أصل لحقيقة أن كل الذي حدث ما كان إلا انهيار الرحم بسبب
الاحتمال ، كان احتمالًا أن تخلق في جوف الفتاة روح أخرى ، أن يتشكل القلب وينبض فيها قلبين إلا أن هذا
لم يحدث ، فكيف يعبر الجسد عن هوسه بالاحتمالات ؟
.ألسنا نخاف أن يحدث شيء
أو ألا يحدث ، أن نتأخر صباحًا ، أن تفوتنا محاضرة ما ، أن نخسر المقعد قرب
النافذة في الحافلة صباحًا ؟
فكيف
بالجسد و هو مهوس باحتمال أن تسكنه روح آخرى ؟
سيضرب
المعول و سيضرب حتى يفتت نفسه ثم يبنيها من جديد ، يشبه هذا الحب و الهجران و
الموت و الولادة و يشبهنا نحن ثلاث فتيات في العشرين من عمرهن يتحسسن أرحامهن في
الظلام و يستعدن اللحظة المربكة ذاتها ، و أمي تفرد روحها وتمد غطاءها كخيمة على استعداد تام
لأن تعيدنا جميعًا إن ضاقت بنا الحياة لرحمها ، وتظل تروح و تجيء بيديها .