الاثنين، 26 فبراير 2018

زهرَت البنت

لم  أميز وقتها إن كنت أحلم أم أن صوت مايا يجيء من أرض حجرتنا ، شعرتُ فجأة أني أختنق لم يكن منامًا كانت مايا تبكي و تقول أنها لا تستطيع الحراك ، إلا أنها تشد على جوانب السرير الحديدي الأسود بيديها الصغيرتين ، و الدماء تملأ بنطالها ، وأمي تسوقها أصواتنا في منتصف الليل إلينا  تقف في حجرتنا و تمد يدها لمايا وتقول : مش قادرة تتحركي ؟
تهز مايا برأسها و تبكي .
يقولون : زهرّت البنت ، صارت أمًا للحياة الآن ، بضعة أشهر و يتشكل جسدها ، ينفر الصدر ، تٌنحت الكمنجة عند الخاصرة و في الوقت ذاته تشعر أنها تود أن تخبىء كل هذا ، لا تحبه ، لا تريد أن يبصره الكل ، تختار الواسع من الثياب ثم مع الوقت تعتاد الذي صارت عليه وحينما تكبر أكثر تحبه لا لكونها كيف تبدو بل لأنها تفهم الآن جيدًا كيف صارت مهدًا للحياة .
لم تزل مايا صغيرة في العاشرة من عمرها و حسب ، لقد بكيت معها ليلة البارحة حتى أني لم أستطع أن أنام حتى الرابعة فجرًا . تذكرت نفسي و أنا أقف و أحمل ثيابي المبللة بالدماء للمرة الأولى و أبكي .
يا الله لم تزل في العاشرة فقط تقول أمي ، و يصفر لونها  ، تشد مايا إليها و تحملها و تسير بها  لتبدل ملابسها و تهدىئها ثم تجلب  غطاء كبير  ، تطفىء الأضواء ثم  تنام قربها و تلف الغطاء عليهما معًا
في الظلام  ومع انعكاس الأضواء الخافتة من  النافذة ليللاً بدت أمي وكأنها أعادت مايا لرحمها من جديد ، بدت وكأنها تتحسس رحمها و تبكي و هي تروح و تجيء بيديها على مايا من فوق الغطاء.
و البنت تبكي لا بد أن المعول يضرب ظهرها ، بطنها ، جنبها و فخذيها الآن
أحيانًا أفكر .أقول لم كل هذا الوجع يا الله !
وما ألبث إلا أن أصل لحقيقة أن كل الذي حدث ما كان إلا انهيار الرحم بسبب الاحتمال ، كان احتمالًا أن تخلق في جوف الفتاة  روح أخرى  ، أن يتشكل القلب وينبض فيها قلبين إلا أن هذا لم يحدث ، فكيف يعبر الجسد عن هوسه بالاحتمالات  ؟
.ألسنا نخاف أن يحدث شيء أو ألا يحدث ، أن نتأخر صباحًا ، أن تفوتنا محاضرة ما ، أن نخسر المقعد قرب النافذة في الحافلة صباحًا ؟
فكيف بالجسد و هو مهوس باحتمال أن تسكنه روح آخرى ؟
سيضرب المعول و سيضرب حتى يفتت نفسه ثم يبنيها من جديد ، يشبه هذا الحب و الهجران و الموت و الولادة و يشبهنا نحن ثلاث فتيات في العشرين من عمرهن يتحسسن أرحامهن في الظلام و يستعدن اللحظة المربكة ذاتها ، و أمي  تفرد روحها وتمد غطاءها كخيمة على استعداد تام لأن تعيدنا جميعًا إن ضاقت بنا الحياة لرحمها ، وتظل تروح و تجيء بيديها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق