الجمعة، 29 سبتمبر 2017

شاي بالحليب



(1) 

قبل أيام في أول النهار سألتني شقيقتي الصغرى و هي تعمل على واجب اللغة العربية 
" ما معنى كلمة كاهل "؟ 
أخذت أفكر في معنى كلمة "كاهل "التي طالما سمعتها و نطقت بها  و لم أعرف .. أجل ببساطة لا أعرف ، إننا نقولها حينما نتعب "أُثقل كاهلي " ، و هذا ما قلته لها 
أرأيت كيف نردد الأشياء وفق إحساسنا اتجاهها لا وفق ما تعنيه بالضبط؟


 تبدو " أثقل كاهلي " أقدر على التعبير   من غيرها ، فنقولها .أخذني هذا لوجهك الذي أحمله في داخلي دون أن أفهم السبب ، أشعر أحيانًا و أنا أتأمله أنه وجه فلاح جاء من زمن عتيق  و سكنك .
لأني بطبيعتي أحب الأرض و الشجر ؟
 فأتوجع أكثر ، أمد يدي أعلى الصورة حيث الجبين ثم أنزل بها للكتف فأسقط عبثًا كثمرة مرت بكل مراحل الحياة ثم ماتت ،تحللت، و رجعت سمادًا طيبًا  ليظل الشجر و  وجهك كما هو

(2)

حينما أحاول ان أتخلص منك ، يحضُر أمامي مشهد لقرية في مكان مجهول  ،فيه شجرة واحدة و عملاقة استغرقت خمس سنوات فقط حتى تكبر ثم فجأة حينما رغب أهل الدار باقتلاعها كانت جذورها قد وصلت لديارهم فتركوها ، أنت الفلاح  و الشجرة و أنا الدار ثلاث أشياء ثابتة في محلها. و بعيدة عن بعضها .موت إحداها يعني موت البقية

(3)
من كثرة مجيئك و رواحك حرثت قلبي أكثر من اللازم إنك تضع فيه البذور الآن لكنها تسقط عميقًا ، أتراها تصل للضوء؟ 

(4)
حرارتي مرتفعة وحلقي يؤلمني كأنما فيه مجموعة من الحصى ، فأتمنى لو أني أرجع طفلة مع أني كنت أشعر أن أبي قادرٌ على تمزيقي بصوته حينما يصرخ ،أما الآن و قد كبرت فأنا التي أمزقه في داخلي كل يوم
قال لي صديق أخذ لي صورًا لريف غزة في نيسان حيث الحنون يغني في البلاد  قبل ثلاث سنوات أن مذاق الشاي بالحليب طيب وأني يجب أن أجربه ، في إحدى الصور كان يقف على التلة و يمد يده بالـ دحنون و يبتسم و الضياء يمر عبره كشيء أبدي لن ينقضي
شربت الشاي بالحليب البارحة يا صديقي ، وددت لو أنك لم تزل هنا لأقول لك أن رائحته تشبه رائحة أمي حينما كنت في الصف الثالث الابتدائي . امرأة في  آخر العشرين وجهها متورد و شعرها القصير الأسود يبلله العرق تحمل على يدها توأمين  مرة واحدة و الحليب الذي تحمله في ثديها يتدفق  فينسكب كلما بكى أحدهم و  يبلل ثيابها ، تبكي من التعب لأنها لا تنام ليلًا ولا نهارًا لا أبكي أنا ، إنما  أحدق  في أمي وهي تتحول لنهر دفعة واحدة  وحينما أقترب منها لأحاول حمل أحد التوأمين أو اقترب من فنجان  الشاي بالحليب أرجع للصورة ذاتها "  إنها تتحول لنهر دفعةً احدة "  !


(5) 
أتنازل عن الكلمات ،لا تعنيني رغم أني أحب الكتابة و القراءة و سرد القصص و الحكايا ، إلا أني حينما لا تعرف أنتَ كيف تقولها ، أزهد فيها . لكني لا أتنازل عن العناق ابدًا . وكلمة كاهل تأتي في قاموس اللغة العربية تسمية لمنطقة أسفل الرقبة و أعلى الظهر في جسد الإنسان . هناك حيث يتعب فيهلك  و يولد عناق و يموت آخر

(6 ) 
 أفتقدك ، و يخيل إلي في آخر الليل أني بئر جافة ، و أنك عابر سبيل  عطش تبصر البئر ثم تنزل الدلاء فيه و  تتذكر  و أنت تستعيدها خاوية أنك من حفر البئر ثم اختار عنا السفر  فأبكي ،و دون قصد مني  تتفجر في البئر عين لتشرب .

" وياريت جسمي جسر يمي و قطعن عنه " 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق