الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017

بقايا فنجان

أُفكر في خلع وجع الطفل المتلبس  بي رغم أني لم أعد طفلة ، لقد بلغ عمري ربع قرن منذ شهرين . يأخذني هذا لنفسي في ذاك الصباح و أنا أسير بفنجان القهوة من الطابق الثالث على السلم إلى أن أصل لمدخل البناية و أدلف لمصف السيارات لأناول أبي فنجان القهوة الذي لم تعرف أمي  لفرط أناقتها في اختيار الأشياء بحب إلا أن تسكب فيه القهوة .كان يمكنها هذا الصباح على الاقل أن تستبدل الفنجان بالكوب الورقي .

لا يُقدَر هذا الرجل جمالية الأشياء ، لا يعرف كيف يقول الكلمات الحلوة ، يضحك كخفاش و يصمت ليوقع بك خلسة .كنت أنزل على السلم كشيء خفيف بل هش يكفيه خرم إبرة لكي يتكوم داخلها .قرأتُ مرة تعبير يقول  " تعيش الإبرة قصة ثأر بعد أن ثقبوها " أنا أريد أن أعيش هناك في قصة الثأر ، أريد أن أنتقم !
إلا أن الفنجان الأبيض في يدي الآن و الفكرة المرتبطة بكون السيدة ذات الضحكة الطيبة لم تزل لليوم تحرص على انتقاء الفناحين لزوجها تردعني . ثم تدفعني للتساؤل لم لم ينتبه أحد أن الإبرة بعد أن ثًقبت تسلل النور عبرها و كست أهل الأرض جميعًا ؟ 
لقد غطت أجسادهم و خطاياهم معًا .
تحمي السيدة بكل تفاصيلها قلبي ، حتى بميلانها صباح الجمعة لطست الدقيق تسكب عليه الماء و الحليب ثم تعجن و هي تحدث الدقيق برقة بالغة لتعد فطائر القرفة . 
أُفرط في حماية قلبي بوجهها ،و  أخاف أن يسقط يومًا ويتفتت كورقة خريف لم تعد كافيه لأن تبني الضوء للأشجار فتذوب و تتلاشى ثم تنتهي .


 أمد يدي له و أرجو لو أني أستطيع أن ارجع بعيدًا عنه عمرًا كاملًا لكني لا أقدر .قداماي ثابتتان في الأرض كنخلتين و قلبي صبارة . يأخذ النفجان من يدي و يرمي به أرضًا ..يفتته ، لقد شعرتُ بركبتي وهما ترتجفان " كصفت ركبتي كصف " مثلما تقول جدتي عندما تشعر بالخوف ، المهم إلا "يكصف  "القلب صح ؟ و الرعشة تسري في جسدي كنتُ أنظر للفنجان المحطم على الأرض و القهوة تنسكب عبر الطريق كشيء ثقيل جدًا ، كوجه امرأة عجوز فقد ارتيابه وهو ينتظر أن يكف المجهول عن العبث  به ثم صار بارد و جامد ولا مبال بما قد يحدث .

جمعتُ بقايا الفنجان  و أردت أن أنقض عليه ثم أجرحه في وجهه فأترك فيه علامات تقول أن امرأة ُتُحبه هذا الصباح  أعدت له فنجان من القهوة . جرحتُ يدي َ ، لم أرد على الشتائم المنسكبة من فمه  كسيل أسود بحرف .
نمتُ ليلاً مٌبكرة لا أترك رأسي ليعبث به وجه الرجل الذي أدميته صباحًا بما حطم من الفنجان ، لا أغرق أيضًا في رقة السيدة ، ابتلع حبتي اسبرين لأن ألم الطمث يمزق جذعي و أنام مثلما أنا بوجه طفلة و  قلب يحوي بقايا فنجان زجاجي  ، لا تقتلني الشظايا الزجاجية بل تُقلَب القلب  ليظل طري فيليق برقة سيدة حملته في جوفها يومًا ، يتوجع أجل كلما تحركت الشظايا فيه إذ أُبصر وجه السيدة لكنه لا يتيبس كحجر لا يسكن لا يموت في الوقت ذاته !




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق