الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

أسميتُك شباط

يُقال في بلادنا عن شهر شباط " شباط الخباط " لأنه دائما ما يباغتنا بالشتاء مجددًا بعدما مال للربيع ، فينهش البرد أجسادنا بعد أن سكن بالدفء و اطمئن
ويعني "شباط " في لغة السريانيين الجلد و الضرب
لكني  أذكر جيدًا أن شباط هذا العام كان أقرب للربيع ، لقد نور اللوز فيه مبكرًا.
قررت أن أسميك شباط .. ما رأيك ؟ 


ألست تشبهه؟ 

فكرت في أن أقول  لك " حبيبي شباط " ، ها أنا أجرب لفظها و أسمعها كلمة واحدة كاملة ،واسعة و عظيمة .  لكنك لا تقف أبدًا لأستند إليك أصلا و هذه المفردة تخرج بكل الثقل الذي يوجعني أجل لكنه يجعلني أتزن في الوقت ذاته .


كبرت بيسان الصغيرة و هي تقف على أعتاب الأبجدية الآن ، لقد صحبتها البارحة لمدرستها الابتدائية ، و شعرت بالغرابة ، يا إلهي كيف ينزلق العمر من بين يدي الإنسان كقط خائف و لا يلتفت للوراء الذي نظل نحن فيه .
إن بناء هذه المدرسة أُقيم في الساحة ذاتها التي كانت فيها مدرستي الابتدائية والتي هدمت فيما بعد  ، لقد كنت  يومًا ما طفلة تشد أمي الشرائط على جدائلي كل صباح ثم أجلس تحت الشجرة العجوز العملاقة التي تخرج من البناء وكأنها تظلله ،تثبته و تحميه ، يستطيع المرء أن يدرك هذا بينما ينظر للبناية من مسافة بعيدة أو يقعد تحت الشجرة ذاتها .

أصبح المكان بارد و جاف ،  لا شجرة عجوز هذه المرة !
حتى أني رأيت  معلمة الرياضيات و  لم تتعرف علي ، هذا هو بالضبط الوجه الحقيقي للحياة يا شباط ، تنسانا  مهما أنصتنا و مددنا أيادينا في الليالي الظلماء ، تهملنا بعد فترة و قد لا تعود لتعرفنا من جديد لنقبع في مجاهلها .

تحدثت إلي صديقتي قبل أيام،

تراودها كل ذكرياتها التعيسة منذ وقعت في الحب ، قلت لها أننا حينما نصادف شيئا جميلًا تراودنا الذكريات التعيسة و لا بأس في هذا لأن الجمال يخيط الجراح بل  يشدها على صاحبها و نكأ الجراح جزء من لمها . تلتئم ثم تبتلع كل ما فات معها لتظل الندبات .. قناديل الوجوه المطفأة و دليل القلوب

أنا لا أعرف بالضبط ما لذي كنته في حياتك ، لم أعد أرغب بأن أعرف حتى .

أتعرف لقد قرأت قبل ايام أن تسلق جبال الهمالايا للوصول لقمة "إيفرست" يودي بحياة المئات سنويًا . تبقى الجثث ، لا تتحلل لأن الجو شديد البرودة ، تظل الأيادي التي أثقلها تسلق الجبال ملقاة في وجه كل متسلق جديد ، لكنه يمضي نحو وجهته على أي حال ، لا يحاول أحد المتسلقين مساعدة من سقط لأن محاولة هذا ستودي بحياته أيضًا. و هذا ما أعتقد أننا فعلناه . لقد سقطتُ أنا هناك ثم  ظللت أمد يدي لوقت ليس بطويل ، ثم رددت يدي إلي و مت سريعًا كما تعرف . و مضيت أنت نحو وجهتك و حينما قررت الالتفات للخلف فجأة لم تجد شيئًا يستحق الالتفات. جثة باردة بعينين  شاخصتين ،  يذكرك أنك دائمًا قادر على المضي دون أحد يا شباط

لا أعرف مالذي يفترض أن يربط الاموات بالأحياء؟ 
 لا شيء إلا الذكريات الحادة  ، و الحب ليس شيء تتذكره بل تعيشه و تتحسسه مثلما تتحسس ملامح وجهك كل صباح و أنتَ تغسله بالماء ثم تبحث عن أمك في قصد لإيجاد معنى للوجود بعينه لا لأنك تبحث عنها .. أتفهم ما أقول ؟

إلى اللقاء الآن ،  لا تخف ، دائما ستصلك رسالة من عالم الأموات أكتبها لك .. من بين الوعر و الثلوج و وجوه الغرباء و الجثث النظيفة التي ستظل هناك للأبد مثلي جزء من الجبل بل الجبل ذاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق