السبت، 23 سبتمبر 2017

وجك بيزكر بالخريف

أجلس و أضم ركبتي لصدري تحت النافذة  على السرير و خيط الضوء أول الصباح المار على المنضدة  يشدني صوبه . أعبث به بأصابعي أمرره رغم الخدر في أطرافي عليها بتحريكها ، أمسك المرآة الصغيرة و أنظر لمرور خيط الضوء عبر بؤبؤ عيني ،يختفي الشحوب ، ينتهي .و أصبح فجأة بعينين زجاجيتين و جفنين كالورد . يبرز العرق الأزرق تحت العين اليمنى كنهر بعيد ، ألقي بالمرآة جانبا فارجع لوجهي الذابل ، يا الله أريد خيط ضوء يظل في وجهي للأبد

يمر في بالي وجه  أحمد العربي في مفترق  شارع الحسبة - رام الله  الذي يقود آخره لطريق رام الله - القدس و يمتد منه طريق فرعي يقود لشارع غسان كنفاني .
يلعب بالكرة كصبي صغير بعد صلاة الجمعة ،  يرتدي قميص كحلي يمد الملامح بالوداعة ، يقول أن هذا القميص بالذات دار البلاد كلها ، ذهب به زوج عمته لمكة و هو يطوف بالبيت العتيق ثم عاد به لغزة و من هناك وصله . يبدو و كأنه يحكم قبضته على شيء ما و هو يلعب،  لكن يده خاويه إلا من الاشتياق لأيادي الذين يحبهم .. أيقبض على آخر سلام تركوه فيها ؟
لست أعرف ، أشعر الآن بأن الكتابة" فعل أناني " لا " لأنها تفرض عزلة داخلية  ينفيك عمن حولك و يضع من حولك على الرف " مثلما تقول رضوى عاشور بل لأنني أكتب عن  أحمد في الوقت الذي يشتاق هو فيه حقًا
 
أحب الخريف طالما أردت أن أكون من مواليد هذا الفصل ، ترفض أمي الفكرة حينما أبوح بها لها تقول  أن هذه كآبة مفرطة ، و أنها فصلي الحقيقي و الوحيد
كيف أقنع أمي أنها تشبه الخريف ؟ و أني بدوري أشبههما معا ؟ 

إن الموت هو حقيقة الأشياء كلها  ، بدايتها ، و ولادتها و بقاؤها ولهذا أحب الخريف لأنه يقين تام بولادة حياة ما في مكان ما . لأن الخريف يعيد ترتيل الآية التاسعة عشر من سورة الروم في صدري  إذ يقول الله سبحانه و تعالى فيها 

"يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ


حينما كنت طفلة كنت أعتقد أن الخريف هو عقوبة الكون للأشجار التي بعد أن اشتد عودها و كبرت صارت تريد السير و الحراك من مكانها و هجرت ديارها ، لم تكن تفهم في البدء أنها تتحرك في أعماق الارض ، أصرت أن تسير فحلت بها العقوبه ، سقط ورقها ، جفت و اصبحت هشة و عجزت عن السير و وجدت  نفسها تقف في ذات المكان الذي هجرته  . 
أليس الخريف تصالح الأشياء مع حقيقتها؟ 
تخيل لو أن الأشجار لليوم لم تعرف أن جذورها تضرب عميقا في قلب الأرض ؟ 

كنت أفكر بجدية تامة أن أكتب رسالة للسيدة فيروز و أقوم بلومها فيها على أغنيتها
 "وجك بيزكر بالخريف

كيف تستطيع أن تنسى بقية الفصول ؟ أعني أن الحب ليس شيء موسميًا.. ولكني الآن أفهم حينما أميت وجهك في أعماقي " و صبابتي تحيه " كيف أننا ننتمي للخريف ، و كيف أننا نشبهه و ما المعنى الذي قصدته السيدة و هي تقول " وجك بيزكر بالخريف " ..

سأحتفظ بوجهي ذابل كما هو و ليسكن خيط الضوء قلبي يا الله

رأيتك في منامي البارحة و صحوت و أنا أردد أن هذا الحلم جميل للحد الذي يجب أن يظل فيه مدفونًا داخلي  .
لقد كانت ذراعي طويلة جدًا و كنت أطوق ذراعك اليسرى .. لأنها الاقرب للقلب ؟ 


لم نتحدث .. لم نقل أي شيء فتاة بذراع طويلة و رجل صامت ك الآلهة يتحدث عبر الأشياء و العطايا لا الكلمات لا ينظران  لوجوه بعضهما ،يحدقان في خراب  قلبيهما  يحملان ما ظل منهما و يمضيان  .


بعدك ظريف ؟ 
بعده بيعنيلك متلي الخريف ؟

..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق